أنا أهلي عايشين في الإمارات من ٢٠٠٩. زي أي حد مصري راحوا دبي بحثاً عن مستوي مادي أحسن عشان يوفروا عيشة أحسن لولادهم. بدأت أروح دبي من التاريخ ده تقريباً مرة في السنة. الحقيقة كل سنة كنت بروح كنت بنبهر بمدي التطور السريع للبلد دي. كل حاجة سهلة. كل حاجة صح. تخش العمارة تلاقي ريحة عود و راجل الامن بيضحك في وشك. كل عمارة فيها جيم و بيسين و ساونا. تروح أي مطعم الخدمة خمس نجوم بكل ما تمثله الكلمة من معني. شبكة طرق ماشفتش زيها في حتة في العالم، الأسفلت عامل زي السجاد الإيراني. أي حاجة عايزها في الامارات هتجيلك طول ما شغال شغلانة كويسة.
بس برضه كل ما كنت بخطف رجلي على هناك دائماً كنت بحس بحاجة غريبة، أكن فيه حاجة ناقصة كدة و مش عارف هي إيه. كنت بأقعد أسأل نفسي هيكون إيه اللي ناقص يعني ما كل حاجة موجودة ولا هتعد تكرر كلام المصريين الحمضاًن بتاع إن دي بلد مفيهاش تاريخ و كدة، فضلت أسأل نفسي برضه طب واقعىاً كدة أنا محتاج التاريخ في إيه؟ هو أنا أيام ما كنت عايش في مصر بروح عند الهرم أقدم القرابين؟ و لو بالتاريخ مكنش حد ساب بلاد زي أفغانستان و سوريا و العراق و إيران و الهند. العيشة الكريمة أكيد التاريخ مش عامل مؤثر فيها. امال إيه اللي ناقص؟ ليه البلد اللي كل حاجة ماشية فيها زي الألف من ساعة ما بتنزل المطار بتدي الإيحاء إن فيها حاجة ناقصة؟
صيف ٢٠١٥ جالي شغلانة في أبو ظبي في شركة استشارات إقتصادية بريطانية. الحقيقة الفرحة مكانتش سعياني. أخيراً هاسيب مصر شوية بقرفها و أخد راحة من الاحوال السيئة و من أراء المجتمع العجيبة و الغريبة في كل حاجة. و طبعاً كنت مبسوط إن أخيراً بعد 6 سنين فراق هكون في بلد جنب أهلي و دي برضه حاجة لطيفة. تجربتي في أبو ظبي أعتقد إدتني فكرة أحسن عن السؤال اللي دائماً كنت بسأله لنفسي، هو إيه الإيحاء الغريب اللي بييجي للواحد هنا؟
أول ما جيت أعتقد انني حققت حلم كل شاب مصري في إسبوعين. بدأت شغل و اجرت شقة و جبت عفش. الموضوع هنا سهل بطريقة مرعبة. ساكن 5 دقائق من الشغل. كل حاجة بالتليفون بتخلص. مكوجي ماشي. أكل ماشي. أي حاجة ماشي. بس مع مرور الوقت ابتدى احساسي بعدم الراحة يزيد. الإمارات بلد طموحة جداً جداً، لكن البلد سطحية جداً لدرجة مرعبة. أي حاجة هتبهرك في الاول هتيجي بعد فترة هتحس بإحساس مش لطيف ناحيتها. تروح Brunch مثلاً هتلاقي كمية أكل و نوعية أكل مشفتهاش ولا هتشوفها في حياتك، غالباً هتنبهر في الاول، لكن بعد كام مرة هتحس ليه كدة، إيه المتعة في إن الواحد يفضل ٤ ساعة مزنوق في حتة مضطر ياكل و يشرب على قد ما يقدر بالمبلغ اللي هو دافعه. حتشوف الجالية الإنجليزية ازاي هنا في ال brunch بتتحول زي الحيوانات اللي عمرها ما شافت نعمة.
الإمارات دولة متمحورة على فكرة تعظيم المنفعة المادية. أي حاجة مادية هتلاقيها هنا سهلة و بغزارة. عايز تروح club جامد هتلاقي، Bar لذيذ هتلاقي بدل الواحد ١٠٠. الجيم و البيسين و الساونا و الجاكوزي بتبقي حاجات إنت مش بتفكر فيها خلاص لإنها متاحة في الدور ال-٤٥ في عمارتك. هنا طبعاً المولات على قفا من يشيل. الآف مؤلفة من البشر كل يوم بتشتري بنهم من المولات. تخش carefourre في مول الامارات تلاقي بدل ١٠ أنواع جبنة بيضة بتلاقي من غير مبالغة ٤٠ و ٥٠ نوع. كل حاجة كدة بقي. تشوف منظر الأف و هي بتشتري بغزارة أكنها مشترتش قبل كدة.
بس اللي أنا اكتشفته في نفسي علي الاقل إن الحاجات دي برغم لطافتها في الاول لكن فعلاً منزوعة المعني تماماً. دي حاجة طبعاً مقدرش ألوم فيها الحكومة الاماراتية اللي أعتقد انها ناجحة تماماً في انها توفر أحسن مستوى معيشة للناس اللي عندها شغل كويس بس هاجي للنقطة دي بعدين. بعد كم شهر لي هنا ابتدت أحس طيب ها؟ بعد ما أكلت brunch و إتمرمغت في الجاكوزي و اشتريت من المول و حضرت حفلة nicholas jaar هعمل إيه ثاني يعني؟ هفضل عايش طول حياتي بقبض و اكل و اشتري في حاجات و خلاص؟ قلبي مش مطمن أوي للموضوع دة.
طبعاً يمكن اني معنديش صحاب هنا أو community مزود علي الاحساس بالوحدة. بس أعتقد إن كثير من الناس هنا في نفس وضعي. و حياة الشغل غير الجامعة. و أنا في الجامعة في إنجلترا أي نعم بلد غريبة بس بتكون حواليك بشر دائماً من كل الجنسيات فبتعمل صحاب بسهولة و بتخلق community حواليك. لكن عشان أنا هنا شغال في شركة صغيرة و كلهم عواجيز فا فشلت إلى حد كبير في الموضوع الاجتماعي دة.
الإحساس الغريب المش مريح اللي ابتدى يجيلي هنا و كنت مش فاهم أوي هو إيه لما كنت بزور أهلي قبل كدة هو إن على الرغم من رفاهية الشديدة اللي قطاع معتبر من السكان بيتمتعوا به هنا لكن قطاع كبير من السكان برضه عايش عيشة تعبانة. الجنس الابيض الاوروبي بجميع اشكاله عايش هنا زي الأسياد و أسوأ نوع انجليز، و هما الجالية الأوروبية الاكبر، ممكن تقابلهم في حياتك هتشوفهم هنا. صلفهم و غرورههم و إسلوب معاملتهم للجنسيات الأخري شيء مثير للغثيان. لكن على الجانب الاخر هتلاقي البنجلادشيين و الفلبيينين و الباكستانيين و السريلانكيين اغلبهم فقراء و لو رحت أي مكان بيعاملوك معاملة الاسياد. كثير منهم هربانين من بلادهم طمعان في عيشة أفضل هنا. و طبعاً أكيد بيعملوا فلوس أحسن و بيحولوها لبلادهم. لكن أنا اتكلمت كثير مع سواقين تاكسي و عمال هنا و الغالبية الكاسحة منهم نفسهم يرجعوا بلدهم و يعدوا وسط عائلاتهم اللي مش بيشوفوهم غير مرة في السنة. طبعاً صعوبة العيشة في بلدهم الاصلي منعاهم من دة.
الاحساس الغير مريح اللي بييجي للواحد هنا هو إن الحياه المادية الطاغية هنا المنزوعة من المعني على المستوي الفردي معها كمان نوع من أنواع الطبقية الباسبورية (من باسبورت يعني). فكرة إن تروح أي مكان و تحس إن البنجلاديشي بيعاملك كواحد أعلي منه ده في حد ذاته بيديك إحساس مش لطيف. مرة كنت بتكلم مع عامل نظافة في فندق كبير أوي قال لي إنه من الهند و بيشتغل ١٢ ساعة في الحمام. طبعاً مسألتوش بياخد كام، بس ١٢ ساعة في الحمام! مش بس كدة، إن الراجل دة شايف ألاف داخلة و خارجة و إسلوب حياه فيه بذخ و رفاهية هو مبيشفش منها أي حاجة. إحساس غريب أوي و إنت بتشوف الناس بتلتهم الاكل إلتهام أكنهم مشافوش أكل قبل كدة أو تشوف الناس دائماً رايحة ورا الحفلات و الخروجات ليل نهار و نهار ليل. مفيش أي حاجة هنا تتعمل غير انك تخرج و تستهلك. دي مش حاجة وحشة بس الواحد بيحس بعد فترة طب ها فين القضية يعني؟ بحس إن الإنسان عنده هرم من المتطلبات و طبعاً الاكل و الشرب و الخروج منهم بس بعد ما الواحد يحقق دة بيحتاج يطور و يطلع ال-level اللي بعده. أعتقد من مشاكل العيشة في الإمارات الموضوع دة، إن مفيش level ثاني تطلع له. هتاكل أحسن أكل، هتشرب أحسن شرب، هتخرج أحسن خروج و خلاص. عمري ما حسيت إن فيه متعة أو تحدي عقلي أو روحاني هنا. قدرتك كا إنسان على إشباع رغباتك الغير مادية محدود جدا جداً.
رمضان اللي لسه خلصان دة أعتقد لفت انتباهي لنقطة بتلخص اللي بحاول أقول له. طبعاً هنا رمضان من غير العائلة و الصحاب و فيه ظل الوحدة شيء مش لذيذ أوي و لفت انتباهي برضه إن البلد كلها ماشية بنظام open buffet وقت الفطار. لكن الملحوظة اللي يمكن تافهة بس بالنسبة لي بتعبر أوي على اللي أنا عايز أقول له هو لما كنت ماشي على الكورنيش هنا لقيت ديكور جميل و شيك أوي الحكومة هنا عاملاه بطول الساحل كل ١٠ متر، زي يافطة ملونة كدة مكتوب عليها رمضان مبارك. عجبني أوي الديكور بس لما فكرت فيها لقيت إن حتي الفرحة هنا من الحكومة الاماراتية اللي بتعمل كل حاجة صح بس مفيش واحد مثلاً معلق فانوس في بلكونته أو أي مظاهر فرحة شعبية طبيعية.
يمكن مش زي ناس كثير الإصطناعية المبالغ فيها في الإمارات مش هي الشيء اللي بيضايقني و إن كان غلس في بعض الاحيان. الشيء المقلق بالنسبة لي هنا فعلاً هو إن السقف هو المادة و ما بعد المادة غير متاح. و أنا بحس إن الفرق ما بينا و ما بين باقي مخلوقات ربنا اننا بنحتاج حاجة أكثر شوية من المادة تدينا معني و سعادة في الحياة.
تحية خالصة للإمارات و شعبها المؤدب و الطيب